من أين يأتي البث؟

في جميع الثورات دائما ما كان مع بدايتها حتى نهايتها قوى معارضة لأي تغيير في النظام الحاكم ذلك أن استيعاب تغيير ما بعد فترة طويلة من نظام حكم ما يشكل غصة لدى بعض الناس ولكنها ما تلبث إلا أن تزول هذه الغصة بإزالة النظام القديم وبدء النظام الجديد.
ما أن أفكر في كل الحالات الممكنة المسببة لهذه الأحداث الدامية مع تغيير النظام حتى استيقن أن المجلس العسكري ما كان إلا صورة طبق الأصل  من الرئيس المخلوع وأن  الفساد لم يكن برأس واحد بل كان  برأسين ومن المؤكد أن الرئيس المخلوع قبل بيان تنحيته قد أتم اتفاقية مع المجلس العسكري منها تولي المجلس الحكم وعمل محاكمات صورية له والحفاظ على الاتفاقيات السرية، باقي بنود الاتفاقية في ظل الأحداث الجارية قد تبدو إلى الأذهان في بعض الأحيان ممكنة وفي بعض الأحيان أكيدة.
في بداية الانتخابات أخلى المتظاهرون الميدان للتصويت وكان تنظيم اللجان الغالب عليها من قبل الجيش خصوصا في المرحلة الأولى واتجه جزء معدود إلى مبنى مجلس الوزراء منددين بحكم المجلس العسكري بكل سلمية.
بعد إعلان النتيجة بفوز الإسلاميين اتضح أن هذه النتيجة لم تكن أكيدة أو متوقعة  لدى فئات من الناس الغائبة عن الواقع نتيجة نفورها عن هموم الناس وتطلعاتها،جزء منها يتكلم بمنظور الدول التي عاش فيها طويلا وظن أن العدل والنظام فيها ما كان إلا في ظل سياساتها المتبعة فظن أن طريقة حكمها هو الأصلح واخر بمنظور الاقتصاد والسياسة التي تربى على ألاعيبهما حتى أصبح فيهما متمرسا ونسي شريعة ما ولد عليه وما يصح وما لا يصح واخر ممول متحرك بأهداف خارجية.
ولن أقول أن المجلس العسكري من ضمن هذه الفئات لأن تحركاته وتصريحاته ومحاولاته لإدخال أي قانون لتقييد البرلمان القادم ووضعه تحت وطأة سلطته كانت مؤكدة على علمه بالنجاح الذي سيحققه الأحزاب الإسلامية ، لكن المجلس تأكد من عدم جدوى تلك التصريحات وشعر أن الموقف يخرج عن سيطرته بعد نتيجة المرحلة الأولى وعدم قبول الأحزاب لأي اقتراحات مقيدة للبرلمان القادم.
بدأت المرحلة الثانية بعد أن فهم جميع الفئات السابقة  النتيجة وانتهت بمشاكل حدثت للقضاة من تضييق ومحاولات للتزوير وعمل اضطراب في العملية الانتخابية بهدف ما يمكن أن يكون محاولة لجعل القضاة يتخلون عن المشاركة في العملية النتخابية ليسهل عليهم التزوير ولكن مع ذلك استمرت عمليات التصويت وما أن ظهرت بوادر نجاح الأحزاب الاسلامية مرة أخرى حتى ظهر الشر بفكرة جديدة وهي افتعال أي مشكلة من شأنها إلغاء سير الانتخابات أو التشويش عليها لإيجاد ذريعة لإيقافها نظرا للأحوال التي تمر بها البلاد أو إطالتها ولا أقول أنه لو أن كرة لم تدخل إلى مجلس الوزراء ما كانت هذه الأحداث لتتم لكن يبدو أنه قد تم التخطيط لذلك من قبل وظهر أشخاص من أعلى مجلس الشعب تلقي بلا مبالاة بكل ما أمكن على أي شخص من المتظاهرين مدعومة من المجلس العسكري بكل تأكيد نظرا لصمتها الغير مبرر عمن يرتدي الزي العسكري ويلقي بالحجارة من أعلى منشأة حكومية وعدم إصدار أية أوامر باعتقال أي شخص منهم حتى مع إصدار البيان مع أنهم معدودين ولم تقم المؤسسة الإعلامية العسكرية بنشر تلك المقاطع أو حتى الإشارة إليها وظهرت أطراف من الجيش تقوم بسحل المتظاهرين وضربهم بطريقة لم تكن متوقعة أبدا من الجيش المصري.
في محاولة لفهم لذلك التحول الغريب أجد أن الأنظمة التي تسقط دائما ما يتواجد طرف عسكري موالي لذلك النظام وبالتأكيد أن المجلس جزء منه والجزء الاخر كتائب تابعة له يتم عزلها عن الأحداث وشحنها ببث عسكري موجه من المجلس لأن الجيش كان متواجد على أبواب جميع اللجان وكان بإمكانه في أي وقت افتعال مشكلة بسهوله أو حتى التزوير وكان منهم من يساند العجائز ليسهل التصويت وقد تمت بصورة ممتازة  فهنا من الصعب القول أن الجيش طرفا في بث الشر .
ربما هيا محاولة مني لتجنب تأكيد أن الجيش كغيره من قوات الأمن تقوم بتنفيذ الأوامر مهما كانت طبيعتها وهو محتمل لطبيعة التدريب والشعارات التي يمكن أن تحول فكر الإنسان من مستقبل بث مفكر له  إلى مستقبل بث منقاد له وإن كان هذا فما هدف المجلس من ذاك إن أراد إلغاء الانتخابات فكان بإمكانه ذلك كما قلت؟؟! لماذا لم يفعل؟
الإجابة الممكنة أنه لم يستطع إلغاء الانتخابات لأن الجيش سينقسم تجاه إصدار مثل تلك الأوامر ولن يستفيد سوى الإسراع بسقوطه قبل تحقيق أهدافه ونظرا لأن من يسانده إن وجد قلة لا يمكنهم إحداث تغيير فارق في نتيجة الانتخابات ، فتم الرجوع إلى الطريقة القديمة وهيا إدخال الكتائب التابعة للمجلس ليتم سحل وضرب وقتل المتظاهرين بزعم مثلا  أنهم مثيري شغب ومحاربي الاستقرار في  الدولة يقومون بحرق ممتلكات الدولة وممولين من الخارج وتم عرض فيديو من جهة المجلس لتأكيد مقولته الذي يعتبر دليل إدانة وإهانة له حيث أنه يشاهد الوقائع كأنه تلفاز يتابع ويرصد كأنه جهة إعلامية مستقلة  أليس دوره السياسي في فض الاشتباكات وطرح حلول فعلية أم أن متابعة الأحداث عن بعد أصبحت ممتعة أكثر في ظل شاشات ال HD؟
ليس أمام المجلس سوى التنحي سواء كان ظالما أو مظلوما مهما ادعى فهو قد أثبت عدم قدرته على التواصل والتعامل مع الأزمات بشكل لا يمكن التشكيك فيه ، نعم  السياسة لغة مطاطة وأي مقولة فيها قابلة للتشكيك والتحوير ولا يمكن أن تكون مهنة مؤسسة عسكرية فالقدرة على التواصل وإيصال المعلومة والتعامل السياسي بالشكل المراد في الوقت المناسب دون احتماله معنيين يتطلب مهارات وخاصة في ظل هذا التوقيت الغير محتمل لأي أخطاء متكررة ،الحل المؤكد المنهي لهذه الأزمة هوا تنحي المجلس العسكري لجهة يتوافق عليها أعضاء من البرلمان المنتخب من قبل الشعب أوبتوافق مع القوى السياسية وآمل أن يتنحى كليا قبل تنحيته وأن يسرع بإزالة نفسه قبل إزالته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
قادمون للتغيير